الصراحة: كيف؟ ومع من؟ وما حدودها؟
سألنى أحد الشبان ذات مرة قائلاً:
"إننى إنسان صريح. لا أعرف النفاق ولا الرياء ولا المجاملة. ولا أقول غير الصدق في صراحة كاملة. ولكننى – للأسف الشديد – ساءت علاقتى مع الذين أصارحهم برأيى فيهم أو في تصرفاتهم. فيتعبون، ويسببون لي متاعب...
- فماذا أفعل. بماذا تنصحنى؟ هل من الخطأ أن أتكلم بصراحة؟"
ولما كان موضوع الصراحة يهم الجميع، كما يهم صاحب هذا السؤال، لذلك يسرنى أن أناقشه معه ومعكم في هذا المقال...
St-Takla.org Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت
الصراحة ليست خطأ، بل قد تكون فضيلة أحيان
إنما المهم هو في أسلوبها، ومع من تكون، وكيف تكون؟
St-Takla.org Image: Group of youth talking and discussing matters صورة في موقع الأنبا تكلا: مجموعة من الشباب والشابات يتحدثون و يتناقشون
St-Takla.org Image: Group of youth talking and discussing matters
صورة في موقع الأنبا تكلا: مجموعة من الشباب والشابات يتحدثون و يتناقشون
والذى يتعب من صراحتك، إنما يتعب من الأسلوب الذي تتكلم به أثناء صراحتك معه. هل هو أسلوب لائق أم غير لائق؟ هل هو أسلوب جارح أو أسلوب قاسٍ؟ وهل يشمل إتهاماً أو توبيخاً؟ وهل هذا الإتهام فيه لون من الظلم، لأنه يعتمد على معلومات غير سليمة قد وصلت إليك؟ وهل أنت تتكلم بروح المحبة أم بروح الهجوم والهدم؟ وهل أنت في صراحتك تتدخل في ما لا يعنيك، وتتجرأ على ما هو ليس من إختصاصك؟
St-Takla.org Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت
كذلك – في صراحتك – راع الأسلوب الذي تتكلم به مع شخص أكبر منك سناً أو مقاماً أو مركزاً.
لاشك أن الصراحة معه تختلف عن صراحتك مع شخص في نفس سنك ومركزك. وتختلف عن صراحتك مع صديق توجد بينك وبينه دالة. وتسمح هذه الدالة أن تستخدم معه الفاظاً لا تستطيع أن تستخدمها مع شخص كبير... إنك تستطيع مثلاً أن تقول في صراحتك مع صديق "أنت غلطان". ولكنك ربما لا تستطيع أن تقول هذه العبارة لوالدك أو عمك أو أى شخص له مهابة في نظرك. إنما تستخدم تعبيراً آخر يكون فيه لون من الأدب والاستحياء...
St-Takla.org Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت
لذلك فإن الصراحة يلزمها أدب المخاطبة:
فعليك في صراحتك أن تكون حريصاً على انتقاء الألفاظ. بحيث تستخدم ألفاظاً تصل بها إلى هدفك، دون أن تهين من تكلمه أو تجرحه أو تسئ اليه، لأن هذا غير لائق ولا يأتى بنتيجة سليمة... فهناك أشخاص – في صراحتهم – يستخدمون ألفاظاً مثل رجم الطوب. ويحاولون أن يخفوا هذا الخطأ تحت اسم الصراحة! ويكون العيب ليس في صراحتهم، وإنما في عدم حرصهم على أدب التخاطب، وفي عدم اللياقة...
St-Takla.org Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت
كذلك ينبغى أن تكون الصراحة في حكمة، وبهدف روحى سليم...
فهل الهدف من صراحتك هو التوبيخ والإهانة ومجرد النقد؟ أم الهدف هو تبليغ رسالة معينة؟ أم الهدف هو العتاب والتصالح؟ فإن كان الهدف سليماً، تكون الوسيلة الموصلة اليه سليمة أيضاً وتأتى بنتيجة طيبة...
أقول هذا، لأن البعض يظنون أن هدف الصراحة هو توبيخ المخطئ أو من يظنون أنه مخطئ. حسب قول أحدهم مفتخراً بصراحته:
"أنا انسان صريح. أقول للأعور"" أنت أعور" في عينه.
فهل يا أخى إن قلت هذا للأعور، تكون قد كسبته أم خسرته؟! وهل في معايرتك له بأنه أعور، تكون صراحتك سبباً في إرجاع البصر إلى عينه العوراء؟! أم هي صراحة لمجرد التجريح والإهانة والإيذاء؟! وبلا فائدة تجنيها منها...
St-Takla.org Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت
مثل هذا الانسان (الصريح) يرى في الصراحة إثباتاً لجرأته!!
يرى نفسه شجاعاً في تطاوله على غيره! إذن فلو كانت صراحته مجرد مجال لإثبات الذات (اقرأ مقالاً عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات)، لا تكون حينئذ فضيلة، بل خطية...
إنه يتجرأ في الهجوم على الكبار. وكلما ازداد قدر الذي يهاجمه، ازدادت ثقته بنفسه، واعتبر صراحته دفاعاً عن الحق، أو ما يتصور أنه حق! والمشكلة أن مثل هذا الشخص يتطور من الموضوعية إلى النواحى الشخصية! ولا يحترس في استخدام الألفاظ، حتى يصل إلى ما يعتبر سباً وقذفاً!!
ويظن أن هذا كله هو لون من حرية التعبير! غير أن حرية التعبير لن تكون حرية في التحقير أو في التشهير!!
St-Takla.org Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت
هنا ونشير إلى نوع من الصراحة، هو الصراحة الظالمة.
كأن يتكلم انسان في (صراحة)، دون دراسة وافية لما يقوله، وإنما اعتماداً على بعض شائعات أو أقاويل لا نصيب له من الصحة. فيوجّه اتهامات قاسية تجرح المشاعر، يقولها بدون تحقق، وبغير مبالاة لنفسية من يتهمه ظلماً. ويدعى ان الدافع له هو الصراحة. ولكنها صراحة ظالمة...
St-Takla.org Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت
والبعض قد يُدخل الصراحة في موضوع العتاب:
والعتاب يكون مقبولاً ونافعاً، إن كان الهدف منه هو التصالح وتنقية الأجواء، وإن كان في محبة ومودة. كأن يبدأ بذكر محاسن الصديق ومواقفه الطيبة، قبل أن يتعرض لنقطة العتاب. بهذا يكون أسلوبه مقبولاً ويصل به إلى نتيجة طيبة... مصدر المقال: موقع الأنبا تكلاهيمانوت.
غير أن البعض – باسم الصراحة وعدم المجاملة – يعاتب في عنف، وبألفاظ جارحة. وكأنما ينتقم لنفسه أثناء العتاب، ويحط من شأن صديقه. فلا يقبل ذلك منه، ويرد عليه بالمثل، ويشتعل الموقف. وينتهى هذا (العتاب الصريح) بتوسيع الهوة بينهما. وكما قال الشاعر:
ودَعْ العتاب فربّ شرٍّ كان اوله العتاب
St-Takla.org Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت
أما عن الصراحة التي تصدر من كبير إلى صغير:
فينبغى أن تسودها روح الحنو، والرغبة في إفادته وليست السيطرة عليه. وهكذا تكون في محبة وإقناع، وفي نصح وتعليم. ولا تكون مجرد أحكام تصدر بتوبيخ وتعنيف، باسم الصراحة!
إن الصراحة عموماً، من المفروض أن تمتزج بالأدب واللياقة، سواء من كبير إلى صغير، أو من صغير إلى كبير...
حقاً، إن هناك فرقاً بين الصراحة وسلاطة اللسان!
تحيــــــــاتي *بــــــــاسم *